عبادات و إشراقات
شرح جوهرة التوحيد / لفضيلة الشيخ الطاهر بدوي الجزائري / وجوب تأويل التشاجر الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
فاعلم رحمك الله أن أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة هم: عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. قال ابن حزم رحمه الله: يمكن أن يجمع من فُتيا لكل واحد من هؤلاء مجلد ضخم. قال: ويليهم عشرون وهم أبو بكر وعثمان وأبو موسى ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسلمان وجابر وأبو سعيد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية وابن الزبير وأم سلمة. قال يمكن أن يجمع من فُتيا كل واحد منهم جزء صغير. قال وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلون في الفُتيا جدا، لا يُروى عن واحد منهم إلا المسألة والمسألتين والثلاثة، يمكن أن يُجمع من فُتيا جميعهم جزء صغير بعد البحث.
عزيزي المستمع أجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة على خلاف قول من زعم من الرافضة أن الصحابة كفرت بتركها بيعة علي. وخلاف قول الكاملية في تكفير علي بتركه قتالهم. وأجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كندة وحنيفة وفزارة وبني أسد وبني قشير وبني بكر بن وائل لم يكونوا من الأنصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة. وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وأولئك بحمد الله ومنِّهِ درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم. وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا من أهل الجنة، وكذلك كل من شهد معه أُحُدًا غير قزمان الذي استثناه الخبر، وكذلك كل من شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية. وقالوا بما ورد به الخبر بأن سبعين ألفا من أمة الاسلام يدخلون الجنة بلا حساب منهم عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه، وأن كل واحد منهم يشفع في سبعين ألفا. وقالوا: يعني أهل السنة والجماعة وقالوا بموالاة أقوام وردت الأخبار بأنهم من أهل الجنة وأن لهم الشفاعة في جماعة من الأمة منهم أويس القرني رضي الله تعالى عنه والخبر فيه مشهور. وقالوا بتكفير كل من أكفر واحدا من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفروا من أكفرهن أو أكفر بعضهن. يقول سبحانه وتعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم". وقالوا بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وهو الذي بلغه جابر بن عبد الله الأنصاري سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن محمد المعروف بالصادق وموسى بن جعفر وعلي بن موسى الرضا. وكذلك قولهم في سائر أولاد علي من صلبه كالعباس وعمر ومحمد بن الحنفية وسائر من درج على سنن آبائهم الطاهرين دون من مال منهم إلى اعتزال أو رفض، ودون ما انتسب إليهم وأسرف في عدوانه وظلمه كالبرقعي الذي عدى على أهل البصرة ظلما وعدوانا. وقالوا بمولاة أعلام التابعين للصحابة بإحسان وهم الذين قال الله تعالى فيهم: "يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا". وقالوا في كل من أظهر أصول أهل السنة، وإنما تبرؤا من أهل الملل الخارجة عن الاسلام ومن أهل الأهواء الضالة مع انتسابها إلى الاسلام كالقدرية والمرجئة والرافضة والخوارج والجهمية والنجارية والمجسمة. فهاته فرق ضالة تضاف إلى تلك الفرق الثلاث والسبعين التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور قال: "ليأتين على أمتي ما آتى على بني إسرائيل ففرق بنوا إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة تزيد عليهم ملّة كلّهم في النار إلا ملّة واحدة قالوا يا رسول الله من الملة الواحدة التي تنقلب (يعني تنقلب راجعة عن النار) قال صلى الله عليه وسلم: ما أنا عليه وأصحابي". وقد رُوي عن الخلفاء الراشدين أنهم ذكروا افتراق الأمة بعدهم فرقاً وذكروا أن الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال في الدنيا والبوار في الآخرة. ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذمّ القدرية وأنهم مجوس هذه الأمة. ورُوي عنه ذمّ المرجئة مع القدرية. ورُوي عنه أيضا ذم المارقين وهم الخوارج. ورُوي عن أعلام الصحابة ذمّ القدرية والمرجئة والخوارج المارقة. وقد ذكرهم علي رضي الله تعالى عنه في خطبته المعروفة بالزهراء وبرئ فيها من أهل الأديموات. وقد علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى الاسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة التي عدّها من أهل النار، فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع الفقه مع اتفاقهم على أصول الدين، لأن المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع الحلال والحرام على قولين أحدهما: قول من يرى تصويب المجتهدين كلّهم في فروع الفقه، وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون. والثاني: قول من يرى في كل فرع تصويب واحد من المختلفين فيه وتخطئت الباقين من غير تضليل منه للمخطئ فيه. وإنما فصل النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية بأبواب العدل والتوحيد أو في الوعد والوعيد أو في باب القدر والاستطاعة أو في تقدير الخير والشر أو في باب الهداية والضلالة أو في باب الإرادة والمشيئة أو في باب الرؤية والإدراك أو في باب صفات الله عزّ وجلّ وأسمائه وأوصافه أو في باب من أبواب التعديل والتجويز أو في باب من أبواب النبوة وشروطها ونحوها من الأبواب التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والروافض والنجارية والجهمية والمجسمة والمشبهة ومن جرى مجراهم من فرق الضلال. فإن المختلفين في العدل والتوحيد والقبور والإسلاف متحدو الروية والصفات والتعديل والتجويز وفي شروط النبوة والإمامة يكفر بعضهم بعضا. فصحّ تأويل الحديث المروي في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة إلى هذا النوع من الاختلاف دون الأنواع التي اختلفت فيها أئمة الفقه من فروع الأحكام في أبواب الحلال والحرام. أوليس فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من أحكام الفروع.