عبادات و إشراقات
شرح جوهرة التوحيد / لفضيلة الشيخ الطاهر بدوي الجزائري / وجوب تأويل التشاجر الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
بســـم الله الرحمــــن الرحيـــــــم |
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه |
وجوب تأويل التشاجر الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين |
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأصيل السيد النبيل الذي جاء بالوحي والتنزيل وأوضح بيان التأويل وجاءه الأمين سيدنا جبريل عليه السلام بالكرامة والتفضيل وأسرى به الملك الجليل في الليل البهيم الطويل فكشف له عن أعلى الملكوت وأراه سناء الجبروت ونظر إلى قدرة الحي الدائم الباقي الذي لا يموت .صلى الله عليه وسلم صلاة مقرونة بالجمال والحسن والكمال والخير والإفضال وعلى آله وصحابته أجمعين
أما بعد عزيزي المستمع يقول الإمام اللقاني رحمه الله في جوهرته بعد ما بيّن أن الصحابة رضوان الله على الجميع متفاضلون بعضهم على بعض، أفضلهم الخلفاء الراشدون ثم الستة الباقية، يعني جملة العشرة المبشرين بالجنة، .يليهم أهل بدر العظيم الشأن، يليهم أصحاب أحد فأصحاب البيعة وها هو الإمام اللقاني رحمه الله ينتقل إلى بيان أصل من أصول الدين وهو عدم التعرض لسب الصحابة، لأن الصحابة كلهم على خير، فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشهادة القرآن الكريم، :يقول سبحانه وتعالى فيهم: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى" يعني وكل الصحابة وعدهم سبحانه وتعالى بالجنة. الصحابي هو الذي آمن بالرسالة المحمدية وانتقل إلى الرفيق الأعلى على أحسن حال، ليس المراد كالذين ارتدوا من بعده أو كالذين نقضوا عهد الله في حياته كثعلبة، وفيه يقول الحق جلّ علاه "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقنّ ولنكوننّ من الشاكرين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون". .لأنه منع الزكاة وظنّ أنها جزية أو أخت الجزية يا سبحان الله. الصحابي هو الذي آمن بالرسالة المحمدية سواء عاش في بيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا، كالنجاشي ملك الحبشة الذي آمن بها ولم يكن له شرف مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مجالسته، .فلما توفي النجاشي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه صلاة الغائب وقال صلوا على أخيكم. .فهذا هو الصحابي، هو الذي آمن بالرسالة المحمدية واستمر على تلك الحال الحسنة حتى لقي الله والله عنه راض.
بعد هذا يقول الامام اللقاني رحمه الله: ) وأول التشاجر الذي ورد إن خضت فيه واجتنب داء الحسد (. لما ذكر أن صحبه صلى الله عليه وسلم خير القرون احتاج للجواب عمّا وقع بينهم من المنازعات الموهمة قدحاً في حقهم مع أنهم لا يصرون على عمد المعاصي وإن لم يكونوا معصومين .وقد وقع التشاجر فعلا بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما.
وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق: فرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع علي فقاتلت معه وفرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع معاوية فقاتلت معه وفرقة توقفت، .وقد قال العلماء المصيب بأجرين والمخطئ بأجر، وقد شهد الله ورسوله لهم بالعدالة. .والمراد من تأويل ذلك أن يُصرف إلى محمل الحسن لتحسين الظن بهم، .فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم لأنهم مجتهدون. قوله إن خضت فيه أي إن قدّر أنك خضت فيه فأوله، يعني أجزم بأن الصحابة كلّهم على حق، فسيدنا علي كرم الله وجهه قاتلهم لأنهم خرجوا عن الإمامة وطلبه رضوان الله عليه حق لأنه طلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الإمام، :لأن طاعة الإمام أصل من أصول الدّين كما سيأتي للمصنف رحمه الله: ) وواجب نصب إمام عدل بالشرع فاعلم لا بحكم العقل (. :هذا هو الصواب لأنه أمرهم أن يدخلوا في طاعته، يقول سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا". كان على معاوية رضي الله عنه أن يدخل تحت طاعة الإمام ثم يطلب بالثأر لدم سيدنا عثمان بن عفّان ولكنه اجتهد .وإن كان أخطأ فخطأوه من اجتهاد، من أصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد كما قلنا. وإنما قال رحمه الله ذلك لأن الشخص ليس مأمورا بالخوض فيما جرى بينهم فإنه ليس من العقائد الدينية ولا من قواعد الكلامية وليس مما ينتفع به في الدّين بل ربما ضرّ في اليقين، .فلا يباح الخوض فيه إلا للرد على المتعصبين أو للتعليم كتدريس الكتب التي تشتمل على الآثار المتعلقة بذلك. .وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لشدّة جهلهم وعدم معرفتهم بالتأويل. ) واجتنب داء الحسد ( .يعني واترك وجوبا في خوضك فيما شجر بينهم، داء وهو الحسد. واجتنب داء الحسد معناه حسد أحد الفريقين المتشاجرين، الحامل ذلك الحسد على الميل للفريق الآخر على وجه غير مرضي بأن يشتمل ذلك الميل على سبّ غيره، .هذا ما أراده المُحشي رحمه الله الشيخ إبراهيم البيجوري. ثم الظاهر أن الحسد بمعناه الأصلي الذي هو تمني زوال نعمة الغير ليس مرادا هنا بل المراد به هنا مطلق الإيذاء والسب، :والمعنى يكون حينئذ: واجتنب سب الصحابة، هذا ما ظهر، فالإضافة للبيان إن أريد الداء المعنوي أو الحسد الشبيه بالداء، .الإضافة من إضافة المشبه به للمشبه إن أريد الداء الحسي، والمراد داء الحسد الحامل على الميل .مع أحد الطرفين على وجه غير مرضي كما قلنا. :وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي من أذاهم فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله ومن أذى الله يوشك أن يأخذه" .أي اتقوا الله ثم اتقوا الله. أو أنشدكم الله ثم أنشدكم الله في حق أصحابي وتعظيمهم لا تتخذوهم كالغرض الذي يرمى إليه بالسهام وترموهم بالكلمات التي لا تناسب مقامهم، فمن أذاهم فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله أي تعدى حدوده وخالفه، .ففيه مشاكلة، وإلا فحقيقة الإيذاء على الله محالة. .ومن أذى الله يوشك أن يأخذه أي يقرب أن يعذبه. وفي رواية "لا تسبّوا أصحابي فمن سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" .يعني لا فرضا ولا نفلا.