دراسات

الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الأول)


*المساواة

     من الأسس التي قام عليها المجتمع الإسلامي الأول مبدأ المساواة. وهذا المبدأ من المبادئ الأساسية في الإسلام. فالناس جميعا أمام الله سبحانه وتعالى سواء، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى. قال تعالى: ﴿ يا أيها الناس إنا خلقاكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾ (الحجرات/13). هذه المساواة التي جاء بها الإسلام لم تكن مساواة نظرية، وإنما طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيقا عمليا، فكان عليه الصلاة والسلام لا يميز بين المسلمين بعضهم عن بعض وإنما كانوا لديه سواء في الحقوق والواجبات، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم». وقد أكد الرسول الكريم مبدأ المساواة في خطبة الوداع بقوله: « كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى». وقد أدى تطبيق مبدأ المساواة هذا إلى شعور أفراد المجتمع الإسلامي الأول بالانتماء والولاء للمجتمع، والتخفيف من حدة الصراع بين الأفراد ونزع الحقد من القلوب مما أشاع جو الثقة والتضامن بين أفراد المجتمع مما كان له أكبر الأثر في تقدم المجتمع وقــيامه بالأعباء والتكاليف التي فرضت عليه بعد ذلـك... وإذا انعدمت المساواة انعدم العدل بين الرعية وكثر الجور وذهب الأمن وتلاشى الاستقرار.

*الأسوة الحسنة   

     من أهم دواعي استجابة الأفراد لمبدأ من المبادئ أو لتنفيذ عمل معين أو إتبــاع قاعدة من قواعد السلوك الاجتماعي وجود الأسوة الحسنة. فتأثير هذه الأسوة الحسنة أقوى وأبلغ من تأثير النصح والإرشاد والتوجيه. فالأب الذي يكذب ثم ينصح ابنه بالصدق يهدر قيمة فضيلة الصدق في نفس الطفل، وقد لا يستجيب له الابن مهما بالغ في النصيحة لأن هذا الابن قد افتقد الأسوة الحسنة وعلى العكس من ذلك الأب الذي يصدق في قوله وفعله يدفع ابنه بسلوكه إلى تقليده في التحلي بهذه الفضيلة.

     إن القدوة في التربية هي أنجع الوسائل المؤثرة في إعداد الولد خلقيا وتكوينه نفسيا واجتماعيا... فمهما كان استعداد الطفل للخير عظيما ومهما كانت فطرته نقية سليمة فإنه لا يستجيب لمبادئ الخير وأصول التربية الفاضلة ما لم ير المربي في ذروة الأخلاق وقمة القيم والمثل العليا... ولهذا بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للمسلمين على مدار التاريخ القدوة الصالحة وللبشرية في كل زمان ومكان السراج المنير والقمر الهـــادي. قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾(الأحزاب/21)، ووضع الله سبحانه وتعالى في شخص الرسول الكريم الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية الخالدة في كمال خلقه وشمول عظمته. ولقد سئلت زوجته السيدة عـائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن".

     بهذه الأسوة الحسنة وهذه القدوة الصالحة استطاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول هو عن نفسه في حديث أخرجه العـــسكري وابن السمعــاني: « أدبني ربي فأحسن تأديبي » أن يكون المجتمع الإسلامي الأول على أساس سليم من الشعور بالمسؤولية ومن تقدير للمسؤولية، وأن يعلمه أن مهمة القائد ليست هي إلقاء الأوامر وحب الرياسة والسيطرة وإنما هي قبل كل شيء تقدم الصفوف واقتحام المخاطر وضرب المثل في التضحية والفداء.

* تنظيم العلاقات بين المسلمين وغيرهم

     لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان يوجد فيها كما قلنا بعض اليهود فلم يكرههم صلى الله عليه وسلم على الدخول في الإسلام. وهذا هو دأب الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه. قـــال تعــالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾(البقرة/256) ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن ينظم العلاقة بين جماعة المسلمين في المدينة وبين هؤلاء اليهود، وهذا التنظيم كان في مصلحة اليهود أنفسهم لأنهم كانوا أقلية بالنسبة للمسلمين.

     والإسلام لا ينقص من حقوق غير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية وإنما يعطيهم حقوقهم كاملة. ولا يمنع من الإحسان إليهم والبر بهم ما داموا لا يؤذون المسلمين ولا يكيدون للإسلام، قال تعالى في سورة الممتحنة: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾(9/8) وعلى هدي من سماحة الإسلام مع أبناء الأديان الأخرى فقد عقد الرسول عليه الصلاة والسلام تلك المعاهدة المشهورة مع اليهود من سكان المدينة المنورة...

     ولكن اليهود هم اليهود، لا يقاتلوننا جميعا، لأن المسلمين جميـعـــا قـــوة... هزمونا حين فرقوا وحدتنا وشوهوا عقيدتنا... فاجتماعنا من جديد هو عامل تفكك اليهود وإضعافهم وهزيمتهم وهم لن يجتمعوا إلا على الإسلام... وإن تفرق المسلمين واختلافهم عامل في قوة اليهود وهزيمتهم لهم... فيا ويح المسلمين الذين يبيعون الكرامة بالاستسلام والذين ينفذون خطط اليهود والذين يكونون سببا في قوة اليهود وضعف المسلمين...     يــتــبــع...




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

١٨ / أكتوبر / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up