دراسات

الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الأول)


     فجنسية المؤمن إذن عقيدته، فليس للأمة الإسلامية لون ولا لأرضيتها حدود، تسودها العدالة والحرية والمساواة بين جميع الناس، فلا غني فيها ينسى إخوانه المحتاجين، كل أفرادها متحابون كمثل الجسد الواحد، متضامنون، بعضهم أولياء بعض، فلا فقير يتألم جوعا وحرمانا ولا مظلوم يشكو فيها نكبة وأحزانا.. نعم أمة تبايع إمامها ليقيم فيها شرع الله ورسوله، أمة شورى وحرية، الأمة التي يشهد لها القرآن بالخيرية.. قال تعالى:﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾(آل عمران/110).

     نعم أمة وسط تشهد يوم القيامة على سابقاتها من الأمم أن الله بعث إليها رسلا مبشرين ومنذرين، أمة وسط تعطي لكل ذي حق حقه، الدنيا حقها والآخرة حقها، أمة وسط كل فرد فيها كإسلام يمشي على الأرض، أمة كتب الله لها البقاء والفلاح. قال جل وعز: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾(آل عمران/104)، أمة كتب الله لها العز في الدنيا والسعادة في الآخرة، وعد من الله والله لا يخلف الميعاد، نعم يحقق لها عزها ويسلطها على عدوها إذا أطاعت ربها وحكمت فيها شرعه القويم.. قال جل ذكره: ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾(النور/55).

     وإذا التفتنا إلى حال أمتنا الإسلامية نجدها كثيرة بعددها وممزقة في عقيدتها، غثاء كغثاء السيل، تعيش مستعبدة مقهورة في فتن مظلمة يضرب بعضها رقاب بعض نتيجة تقليدها الأعمى لعدوها واغترارها بلمعان حضارته الزائفة، وبعدها عن المنهج القويم.. وقد أشار إلى هذه الحال منقذ البشرية وطبيبها سيدنا محمد رسول الله المبعوث رحمة للعالمين بقوله: " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ " رواه أبو سعيد الخذري.

     وقد كتب الله جل وعز الخزي والعار والذل والهوان لمن يتولى اليهود والنصارى خاصة والمشركين والكفار عامة لأنهم ملة واحدة تحارب الإسلام وأبناءه كلما استطاعت لذلك سبيلا. قال تعالى: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾. وقال جل وعز في شأن مكر الكفرة وكيدهم بالإسلام وأهله: ﴿ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة﴾(النساء/102). ونهانا جل وعز نهي تحريم عن نصرة أعداء الله بقوله: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾(المائدة/51). ويحذرنا رحمة منه من خطر الصهيونية بقوله:﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾(المائدة/82) ويقدم اليهود في النص على الذين أشركوا.. ثم إذا راجعنا هذا الواقع التاريخي فإننا ندرك طرفا من حكمة الله في تقديم اليهود على الذين أشركوا.

     إنهم هذه الجبلة النكدة الشريرة، التي ينتغل الحقد في صدرها على الإسلام وعلى بني الإسلام، فيحذر الله نبيه وأهل دينه منها. ولم يغلب هذه الجبلة النكدة الشريرة إلا الإسلام وأهله يوم أن كانوا أهله، ولن يخلص العالم من هذه الجبلة النكدة إلا الإسلام يوم يفيء أهله إليه.

     ماهي حال المسلمين اليوم؟ هل هي حال أبناء حضارة مزدهرة يدعون إلى الله بالخلق الكريم والحرية والعدالة والمساواة بين الناس؟ وهل هم كأسلافهم بعضهم أولياء بعض يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم؟ وهل يتناصحون ويقبلون النصيحة؟ وهل هم أشداء على الكفار رحماء بينهم كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الأبرار؟

     كلا لقد صرنا نتخاذل والأعداء علينا يتناصرون ونتحارب وهم علينا يتآمرون، أصبحنا ننفذ ما يخططونه لنا ولو على حساب ديننا الحنيف  وأخلاقنا النبيلة فلا نبالي بمن مات جوعا ولا نسأل عمن ضل الطريق إلى الله ولا نأوي من استنجد بنا من إخواننا أبناء ملتنا وإذا أوينا أويناه على حذر منه وكلانا حذره العدو من أخيه واستمع كلانا نصيحة العدو واتخذ كلانا عدوه حميما وحميمة عدوا لدودا وأصبحنا نحكّم في علاقاتنا كل شريعة إلا شريعة الله ونقتدي في صلاتنا بكافر طالما حارب الله ورسله أجمعين ونفتخر بهذه العبادة ونرجو الثواب من الله...  ألم يأن للمسلمين أن يرجعوا إلى ربهم وإلى سنّة نبيهم؟

     فالأمة الإسلامية أمة تجمعها وتوحدها عقيدة ربانية واحدة وثابتة دون أن يتغير أصلها أو يتبدل لأن دستورها القرآن الكريم والقرآن محفوظ في الصدور، من كل زيغ أو تحريف ﴿وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾(فصلت/41ـ 42) ويدل على هذا قول الحق عز وجل:﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾(الحجر/9) لا يعتريه تناقض ولا نقصان فلا تنتهي عجائبه ولا تنفد نفحاته صالح لكل الأجيال ولكل البقاع والأزمان يدعو إلى العلم فيسبقه، وإلى السعادة الأبدية فيبني صرحها، ويثير في صفوف أعدائه الذعر والرعب والفرار..

     فأمة القرآن أمة عزيزة كتب الله لها الخلود والبقاء والعز والازدهار وداخل هذه الأمة تعيش شعوب وأجناس مختلفة من تاريخها أو أوطانها أو لسانها ولغتها كالعرب وغيرهم وهذه الاختلافات الطبيعية بين شعوب الأمة الإسلامية ليست هي العنصر الأساسي في تكوين هذه الأمة، لا في الماضي ولا في الحاضر وما علينا إلا أن نعمل لرد هذه الأمة العظيمة إلى أصولها الصحيحة وطريقها القويم حتى تستعيد أمجادها وتسعد بها الإنسانية في كل زمان ومكان.

     وصلاح الأمة في صلاح مجتمعاتها وصلاح هؤلاء في صلاح الأفراد وصلاح الأفراد في صلاح عقيدتهم وسلوكهم.. وينبغي لهذه الأمة أن يقودها إمام يربيها ويحميها من مكائد أبنائها وشراسة أعدائها، ويدعو من سواها إلى الخلق الكريم. وبهذه الكيفية تتحقق إن شاء الله وحدة أمتنا الإسلامية الحميدة.




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

١٨ / أكتوبر / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up