دراسات

الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الأول)


                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين

                                               مقدمة

     إن للفظ " الأمة " مدلولات عدة: فهي الطريقة. قال تعالى: ﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ أو هي الجماعة أو الجيل من الناس ... ويطلق لفظ الأمة على الوطن أيضا تقول: فلان من بني أمتي أي من بني وطني ... ويجمع على أمم ومنها " جمعية الأمم " و " الأمم المتحدة ".

     فإذا قلنا بالمعنى الأول فالأمة تعني الطريقة والطريقة تعني العروة الوثقى التي يجب الاعتصام بها، قال تعالى:         ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ﴾(آل عمران/ 103). فحبل الله هو الطريقة ولا طريقة سواها. فهي التي تخرج الناس إذا استقاموا عليها من ظلمات الشرك والشهوات إلى نور الإيمان والطاعات قال تعالى: ﴿وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه﴾(الجن /16-17) وهذه اللغة تحتوي حقائق تدخل في تكوين عقيدة المؤمن وتصوره لمجريات الأمور وارتباطاتها.

     والحقيقة الأولى هي الارتباط بين استقامة الأمم والجماعات على الطريقة الواحدة الواصلة إلى الله. وبين إغداق الرضا وأسبابه ... وهذا الارتباط بين الاستقامة على الطريقة وبين الرجاء والتمكين في الأرض حقيقة قائمة. وقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف حتى استقاموا على الطريقة، ففتحت لهم الأرض التي يغدَودق فيها الماء، وتتدفق فيها الأرزاق ثم حادوا عن الطريقة فاستلبت منهم خيراتها استلابا. وما يزالون في نكد وشظف حتى يفيئوا إلى أمر الله فيتحقق فيهم وعد الله.

     والحقيقة الثانية أن الرخاء ابتلاء من الله للعباد وفتنة، والصبر على الرخاء والقيام بواجب الشكر عليه والإحسان فيه أشق وأندر من الصبر على الشدة لأن الرخاء كثيرا ما ينسي ويلهي، ويرخي الأعضاء وينمي عناصر المقومة في النفس ويهيئ الفرصة للغرور بالنعمة والاستكانة إلى الشيطان.

     والحقيقة الثالثة أن الإعراض عن ذكر الله مؤد لا محالة إلى عذاب الله قال جل وعز: ﴿ ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذابا صعدا ﴾(الجن / 17).

     وفي السنة المطهرة ما يدعو إلى الأخوة والاعتصام بحبل الله جل جلاله. فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وظرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع، والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ". والمراد من قوله " عضوا عليها بالنواجذ " أي اجتهدوا على السنة والزموها واحرصوا عليها كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه (أنيابه) خوفا من ذهابه وتفلته.

     المفهوم الثاني: لفظ "الأمة" يعني الجماعة أو الوطن بمدلوله العصري وبعبارة أخرى تشكل أمة المجموعة البشرية التي تعيش في قطر واحد وتتميز بوحدة تاريخية ولغوية ودينية واقتصادية واجتماعية تضعف أو تقوى حسب الظروف والوقائع وحسب تكيفها مع الأحداث  ولفظ " الأمة " يعني كذلك شخصا معنويا قانونيا يتكون من مجموعة بشرية تحكمهم سلطة واحدة ودستور واحد ويتميز هذا الشخص بالسيادة الوطنية التي يمارسها داخل وطنه الذي تحدده حدود جغرافيا دقيقة أو سياسية أو اقتصادية ونظرة إلى التاريخ القديم توضح أن فكرة " الأمة " كانت أقوى منها في العصر الحديث .

     وكان عصب تلك الأمم وموحدها واعتبارات ونوازع عرقية قومية تختلف اختلاف الأجناس مع عوامل أخرى مساعدة كاللغة والتاريخ والأرض والوطن مثل أمم الإغريق والرومان والفرس. وبعدها جاءت أمم في العصور الوسطى بداية العصر الحديث "كالأمة السلافية" أو "الأنكلوسكسونية" أو "الجرمانية" أو "الإيطالية" أو "الهندية" أو "الصينية".




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

١٨ / أكتوبر / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up