دراسات
لبيك يا قدس (الجزء الأول)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
مقدمــة
إن رمضان القدس الشريف يعني على العموم استرجاع الأمة الإسلامية لمقدساتها المغصوبة ولحقوقها المهضومة وعلى الخصوص تحرير الأرض المقدسة "فلسطين" من القبضة الصهيونية وعلى الأخص تطهير القدس الشريف أو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله من أرجاس الصليبية واليهودية على السواء…فالكفر ملّة واحدة فاليهود والنصارى يؤازر بعضهم بعضا في محاربة الإسلام، فكلاهما عدو لنا ولديننا وكلاهما تحرم ولايته ونصرته علينا ولكن اليهود يمتازون بدرجة أعلى في الحقد على الإسلام وأهله وكأنهم خلقوا للدمار والخراب قال تعالى: ﴿وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين﴾ (المائدة/64).
وما تزال طوائف اليهود متعادية. وإن بدا في هذه الفترة أن اليهودية العالمية تتساند، وتوقد نار الحرب على البلاد الإسلامية وتفلح. ولكن ينبغي ألا ننظر إلى فترة قصيرة من الزمان ولا إلى مظهر لا يشتمل على الحقيقة كاملة. ففي خلال أربعة عشر قرنا بل من قبل ظهور الإسلام واليهود في شحناء وفي ذلٍّ كذلك وتشرد ومصيرهم إلى مثل ما كانوا فيه مهما تقم حوله الأسناد ولكن مفتاح الموقف كله في وجود العصبة المؤمنة التي يتحقق لها وعد الله فأين هي العصبة المؤمنة اليوم التي تتلقى وعد الله !!! وتقف ستارا لقدر الله ويحقق الله بها في الأرض ما يشاء؟؟؟
ويوم تفيء الأمة المسلمة إلى الإسلام: تؤمن به على حقيقته وتقيم حياتها كلها على منهجه وشريعته يومئذ يحق وعد الله على شرّ خلق الله ويومئذ رمضان القدس الشريف﴿ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم﴾ (الروم/4-5).
اليهود أشد الناس عداوة للإسلام
إذا نظرنا إلى الواقع التاريخي نجده يصدق ما حذّر الله الأمة الإسلامية إياه من اليهود ومن النصارى سواء. وإذا كان الواقع التاريخي قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للإسلام منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الإسلام عليهم المدينة، في صورة كيد لم ينته ولم يكف حتى اللحظة الحاضرة. وإذا كان اليهود لا يزالون يقودون الحملة ضد الإسلام في كل أرجاء الأرض اليوم في حقد خبيث وكيد لئيم، فإنّ هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيين أنهم اتخذوا من الإسلام موقف العداء منذ واقعة اليرموك بين جيش المسلمين وجيوش الروم[1] فيما عدا حالات أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تحتمي بعدل الإسلام من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك… يلاقون من ظلمها الوبال، وحالات استجابت قلوب للإسلام ودخلت فيه.
اليهود والنصارى ملّة واحدة
لقد تجلّت أحقاد الصليبية على الإسلام وأهله في الحروب الصليبية المشهورة طوال قرنين من الزمان كما تجلّت في حروب الإبادة التي شنتها الصليبية على الإسلام والمسلمين في الأندلس ثم في حملات الاستعمار والتبشير على الممالك الإسلامية في إفريقية أولا ثم في العالم كله أخيرا.
ولقد ظلت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية حليفتين في حرب الإسلام - على كل ما بينهما من أحقاد- ولكنهم كانوا في حربهم للإسلام كما قال عنهم العليم الخبير ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ حتى مزّقوا دولة الخلافة الأخيرة ثم مضوا في طريقهم ينقضون هذا الدّين عروة عروة وبعد أن أجهزوا على عروة "الحكم" هاهم أولاء يحاولون الإجهاز على عروة "الصلاة".
ثم هاهم أولاء يعيدون موقف اليهود القديم مع المسلمين والوثنيين فيؤيدون الوثنية حيثما وجدت ضد الإسلام، عن طريق المساعدات المباشرة تارة وعن طريق المؤسسات الدولية التي يشرفون عليها تارة أخرى وليس الصراع بين الهند وباكستان على كشمير وموقف الصليبية منها ببعيد.
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الأوضاع التي تتولى سحق حركات الإحياء والبعث الإسلامية في كلّ مكان على وجه الأرض. وإلباس القائمين بهذه الأوضاع أثواب البطولة الزائفة ودق الطبول من حولهم ليستطيعوا الإجهاز على الإسلام في زحمة الضجيج العالمي حول الأقزام الذين يلبسون أردية الأبطال.. هذا موجز سريع لما سجّله الواقع التاريخي طوال أربعة عشر قرنا من مواقف اليهودية والصليبية تجاه الإسلام، لا فرق بين هذه وتلك ولا افتراق بين هذا المعسكر وذاك في الكيد للإسلام والحقد عليه، والحرب الدائبة التي لا تفتر على امتداد الزمان. وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا، فلا ينساقوا وراء حركات التمييع الخادعة أو المخدوعة.
إن هذه المعسكرات لا تخشى شيئا أكثر مما تخشى الوعي في قلوب العصبة المؤمنة مهما قلّ عددها وعُدَّتها فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله…فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة. وقد يكون بعضهم من الفرائس المخدوعة ولكن ضررهم لا يقل حينئذ عن ضرر أعدى الأعداء بل إنه ليكون أشد أذى وضرا[2]. ولكن اليهود ظلوا ولا زالوا أصل كل عداء وأصل كل فتنة وخاصة إذا كانت ضد المسلمين.
_________________________
- [1] - معركة اليرموك (من روافد نهر الأردن) جرت بين الطلائع العربية الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه والجيش البيزنطي وعدده نحو 50 ألفا. كانت هذه المعركة فاتحة لاحتلال الإمبراطورية البيزنطية سنة (15/هـ).
- [2] - انظر "في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله.