دراسات
حالة المسلمين اليوم وأزمات الأسرة المعاصرة (الجزء السادس)
الفصل التاسـع
أزمة الطلاق تفتك بالمجتمع السوفياتي
وكذلك بالنسبة للاتحاد السوفياتي حيث أن الطلاق لم يبق ظاهرة خاصة بالمجتمعات البرجوازية وإنما صار آفة اجتماعية حيث يتوج حالة زواج من كل ثلاث حالات وإن كان يختلف بطبيعة الحال حسب علماء الاجتماع السوفيات على المجتمع البورجوازي، وتملك المرأة السوفياتية سلطة اتخاذ قرار الطلاق حسب ما تكشفه الإحصائيات الأمر الذي يثبت من رأي السيدة (زوياياكوفا) عالمة الاجتماع السوفياتية أن المرأة السوفياتية قد بلغت مستوى تحررها الكامل. وعلى هذا النحو يصبح الطلاق مظهرا من مظاهر صحة المجتمع وتفسير هذا لدى عالمة الاجتماع أنه إذا اختارت المرأة الطلاق من زوجها فإن الدولة تضمن لها الحق في العمل وفي الراحة وتسمح لها بتربية أطفالها وسواء كانت المرأة متزوجة أم لا فيمكنها أن تعيش عادية وطبيعية.
ولكن لماذا الطلاق في الاتحاد السوفياتي الذي ينشد غالبا العدالة الاجتماعية في أوساطه؟ قالت (ياكوفا): إن ذلك يكون بسبب الأطفال، وهو ما كان يدفع المرأة في القديم إلى التحقيقات أن المرأة السوفياتية غالبا ما تتهم الرجل بأنه أب سيئ.
ويتأكد هذا من خلال رسائل القراء التي تنشرها الصحف والمجلات السوفياتية والتي تتهم فيها النساء الرجال بأنهم ممقوتون ولا يبالون أبدا بأطفالهم، لكن أحد القراء لصحيفة (ليترا تورنا ياغازينا) قد أجابهم عن شل هذه الاتهامات بقوله: أنتن النساء ترغبن في رؤيتنا داخل المطبخ، لكن هذا لن يحدث أبدا لأنه مخالف للطبيعة. فالإنسان الذي لا يستغل أخاه الإنسان يريد أن يستغل المرأة. ويعتبر الطلاق في الاتحاد السوفياتي شيئا عاديا وتتقبله السلطات بكل هدوء حيث يمكن للزوجين الانفصال في صبيحة واحدة بالتوجه إلى أي مكتب للحالة المدنية إذا لم يكن لهما أطفال ولا تتجاوز تكاليف ذلك أكثر من 50 روبلا، وتقول دائرة المعارف السوفياتية في هذا الشأن حرصا على طمأنة المطلقين والمطلقات أن الطلاق في الاتحاد السوفياتي ليس له طابع عقابي مثلما هو الشأن في المجتمعات البرجوازية، ولا يبحث القاضي في المجتمع الاشتراكي السوفياتي عن الظالم والمظلوم من الطرفين بالنسبة لرعاية الأطفال طالما أن الدستور قد ضمن المساواة في الحقوق بين الأم والأب لكن غالبا ما تستند رعاية الأطفال للأم تماشيا مع العادة والتقاليد السارية التي يعترف بها القضاة أنفسهم….إلا أن التفاؤل الرسمي يخفي بعض الأحيان شيئا من القلق إذ لا بد من وجود مشكل ما يقف وراء انفصال زوجين من كل ثلاثة أزواج هناك ويتأكد من خلال الرسائل الغرامية التي تبعث بها صاحباتها للصحف والمجلات في حين ترى (ياكوفا) الطلاق شيئا جميلا عندما لا يصبح للحب وجود وإن كان هناك من يعتبره فشلا شخصيا واجتماعيا أيضا.
ويطالب الشاب بتكوين جيد وإعداد وتأهيل للزواج عن طريق تربية عاطفية في المدرسة لكن هذه المادة لم يجر الأخذ بها كمادة دراسة سوى في ست مدارس بموسكو تدرسها لطلبة الأقسام النهائية فيها. هذا مع وجود مشاكل وراء زيادة نسبة الطلاق منها: ضرب الزوجة وتعاطي الزوج الكحول، وتقاسم والدة الأب أو الأم البيت الزوجي وكثرة الأعمال المنزلية، وقلة الموارد المادية وصغر حجم المنزل أو الشقق وغير ذلك من الأسباب. لكن يبق الأطفال في مثل هذه الحالات هم الضحايا لأن المنحة الغذائية (بين 50 و250 روبل) لا تحل جميع المشاكل. فالطفل السوفياتي يمكنه أن يختار بين أبيه وأمه ولكنه عندما يختار لا يكف عن السؤال الدائم: أمي، أين أبي؟ وكيف توجد العدالة الاجتماعية في مجتمع لا يبحث فيه القاضي عن الظالم والمظلوم.
فأين الحق وأين العدل يا ترى؟ وكيف تستقر العائلة في مجتمع أصبح الطلاق فيه عاديا ورعاية الأطفال مهملة حيث يفصل الطفل عن والديه بسهولة ويرد إما إلى أمه التي تقضي غالب أوقاتها في الأعمال الصناعية أو الفلاحية ولا تستطيع أن تمنح له ما يستحق من عطف وحنان لضيق الوقت الذي تبذله في خدمة المنزل، وإما إلى المراكز الخاصة برعاية الأطفال ولكنها لا تستطيع بدورها أن تمنح له حنان الأم ووقار الأب فينمو نموا غير متوازن، نموا يجعله يرى الأشياء مادة تسيرها مادة وتفنى بلا رجوع فينتشر بذلك عقوق الوالدين وتعم العدوى والدمار.