دراسات
حالة المسلمين اليوم وأزمات الأسرة المعاصرة (الجزء السادس)
الفصل العاشر
رسالة الزواج في الإسلام
إن الزواج هو الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال-فطرة الله التي فطر الناس عليها- حتى تستمر الحياة بالزواج الدائم الذي لا يقف في جيل من الأجيال، وهو أحد نواميس هذا الكون طبقا للآية الكريمة ((ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين)) (الذاريات 49) فالرجل يميل إلى المرأة وهي تميل إلى الرجل لأن هناك فجوات روحية ومادية في طبيعة كل من الزوجين هذه الفجوات لن يملأها إلا سر الزواج لذا قال الله سبحانه وتعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)) (الروم: 20)، والمراد بالسكن هو سكون القلق في كيان الإنسان وليس سكن العواطف الثائرة لذلك نلاحظ في السيرة النبوية أن رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم حين يجتمع عليه الكرب والهم ويلم به الحزن يعود إلى زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فيفضي إليها بما يملأ أغوار نفسه من هموم وما يلاقيه من عذاب فتجلس بقربه رضي الله تعالى عنها وتسليه وتذهب عنه همومه وأحزانه حتى تجعله ينسى ذلك فتخفف عنه وطأة ما يلاقيه في سبيل الله، لذلك حزن عليها عليه الصلاة والسلام حزنا شديدا لما توفيت لأنه فقد فيها المعين على النوائب والمواسي يوم الأحزان.
إن حقيقة الزواج في الإسلام هي اقتران إنسانية وحقيقة رجل بإنسانية امرأة وما اقتران الأجساد سوى فرع صغير من ذلك.
إن هذه الرابطة المقدسة يرتفع بها الإسلام إلى أعلى المستويات حيث يجعلها وسيلة لتحقيق أهداف كثيرة وبالغة الأهمية في الحياة الإنسانية.
فمن الناحية الروحية يعتبر الإسلام رابطة الزواج معادلة لشطر الدين ونصف الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني) كما يعتبرها عبادة إذا كان يبتغى من ورائها وجه الله عز وجل إذ أن اللقمة يرفعها الزوج إلى فم زوجته يثاب عليها، وجاء في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله، عن أبي ذر رضي الله عنه (ان ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون: إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟ قال أرأيتم لو وضعنا في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعنا في الحلال كان له أجر).
أما من الناحية الأخلاقية فإن الزواج في الإسلام هو الوسيلة النافعة لحماية الأمة من الفساد والانحطاط الخلقي وحماية الأفراد من الانحطاط الاجتماعي وذلك أن الزواج المشروع يتيح الاتصال الحلال وبالتالي يشبع غريزة الميل إلى الجنس اللطيف.
ثم إن الإسلام يرى أن الزواج يحقق أهداف اجتماعية نبيلة تضمن للمجتمع تماسكه حيث أنه بالمصاهرة يكون سببا في توسيع دائرة التعارف وإيجاد صلات لم تكن موجودة بين الأسر والعائلات فيزداد المجتمع ترابطا وتماسكا بروابط الرحم فضلا عن روابط الأخوة الإسلامية الربانية قال سبحانه وتعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)) (النساء/1). قال عز وجل ((وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله….)) (الأحزاب:6).
ومن أهداف الزواج انه يساهم في القضاء على كثير من الأمراض الاجتماعية والصحية كانتشار بيوت الدعارة ومتخذات الأخذان، وبائعات الهوى من جهة كما يخف من وطأة مرض الزهري مثلا الذي يستفحل مع انتشار الفاحشة في المجتمع من جهة أخرى والزواج الشرعي والاتصال الحلال له أهمية كبرى في بناء قوة الأمة ومناعتها حيث ينجب شباب صالحين طاهري الدم والأنساب، قادرين على تحمل مهمة الدعوة إلى دينهم بأخلاقهم وأبدانهم، فيصدق عنهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة).
كما أن الزواج هو وسيلة من وسائل الاستقرار الذي هو عامل من عوامل التقدم تنشده كل الشعوب. والفرد الذي لا يكون مرتاحا ماديا وروحيا لا يستطيع الحفاظ على سلامة الإنسانية. فالحضارة الغربية رغم تقدمها المادي فإنها عجزت عن توفير الراحة النفسية بين ذويها لأنها لا تعتبر الزواج إلا وسيلة للجمع بين الذكر والأنثى أو اقتراب جسد بجسد أو إطفاء نار الشهوات والرغبات، فراح دعاة المادة والحضارة المغشوشة يزينون للناس هذا الانحراف الخطير حيث يقولون (إن على الإنسان أن يستغني عن الزواج باتخاذ الصاحبات والخليلات والأخذان) ولكن ما الفائدة من ذلك سوى أطفال لقطاء لا تربطهم أية صلة بآبائهم ومجردون من حنان الأبوين وبالتالي فهم خطر على المجتمع الذي كلما ساعدهم هددوا وجوده من داخله كما تفعل دودة الأمعاء بحياة الإنسان. يـتـبـع...
________________
اضغط هنا لقراءة (الجزء الخامس) من الأرشيف