دراسات
حالة المسلمين اليوم وأزمات الأسرة المعاصرة (الجزء السادس)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
الباب الثاني
الفصل الثامن
سعادة الأسرة اليابانية مرهون بمصير المؤسسة الإنتاجية
فهذا اليابان الذي بلغ ازدهارا يعرف رغم تطوره أزمة العائلة التي تروم هلاكه واضمحلاله…أجل: إذا كان اليابانيون يعتقدون بأنهم سعداء وأنهم يعيشون طويلا أنهم يشكون من قلة الإنجاب وزيادة القلق بين الشباب منهم وعزوف الفتيات بصفة متزايدة عن الزواج، يظهر ذلك من خلال الإحصائيات المتناثرة التي تقوم الحكومة والصحافة ومختلف المؤسسات في اليابان بنشرها من حين لآخر الأمر الذي يؤكد عدوى المجتمع الياباني ببعض المشاكل التي تواجه المجتمعات الغربية كارتفاع حالات الطلاق وتزايد نسبة الجريمة بين الأحداث، ويفيد في هذا الشأن استطلاع أجرته صحيفة (يوميورى) اليابانية أن 89.8% سعداء وأن 78.3% منهم راضون بالحياة التي يعيشونها. وتأتي الصحة في مقدمة الأسباب الأساسية لسعادتهم بينما قال 16.9% منهم فقط بأن حظوظ التمتع بأوقات الفراغ المتاحة لهم هي السبب الرئيسي للسعادة لديهم، ويشعر 92.9% من اليابانيين حسب دراسة لمعهد (غالوب الدولي) بالانتماء إلى الطبقة الوسطى في المجتمع وذكرت دراسة لمكتب الوزير الأول أن 25% من الفتيات اليابانيات العازبات لا يرغبن في الزواج إطلاقا مقابل 14% في عام 1978.
كما أحصت الدراسة وجود 10460 أم أرملة في عام 1979 أي أكثر بمرتين من عددهن في السنة السابقة، هذا إلى جانب ارتفاع حالات الطلاق بأعداد محسوسة حيث بلغت في عام 1978حوالي 232 ألف حالة طلاق وهنا تفيد دراسة وزارة الصحة أن النساء هن اللاتي يطالبن بالطلاق بنسبة 55.3% من الحالات، ولا تحصل منهن سوى 2.8 من النساء المطلقات على نفقات الزوج ويزيد انخفاض أجور النساء العاملات بالنسبة لأجور الرجال حياة المرأة العازبة أو المطلقة تعقيدا ومشقة حيث لا تبلغ أجورهن في المتوسط حسب دراسة لوزارة العمل سوى 56.2% من أجور الرجال وتشير الدراسات والإحصائيات الرسمية إلى تطور مقلق في انحراف سلوك الشباب الياباني بحيث تأخذ الجرائم أبعادا بالغة الخطورة لانتشارها بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة وقد تم إحصاء 128077 شاب سجين خلال 11 شهرا من السنة الماضية (1980) أي أكثر من 4.5% من عدد المساجين في نفس الفترة من عام 1978 كما سجلت الشرطة اليابانية (قفزة) نسبتها 27.5% من أعمال العنف التي يرتكبها الطلبة ضد الأساتذة في المدارس، ويرى بعض المربين أن التلفزيون الياباني يتحمل مسؤولية كبيرة في انتشار العنف حيث يتبين من دراسة لإحدى الجمعيات النسائية أن الشاشة الصغيرة قدمت في بحر 21 يوما من أيام الصيف الفارط أفلاما تضمنت 1891 مشهدا من مشاهد الاغتيال و31 مشهد انتحار و73 مشهد اغتصاب الفتيات، وأما بالنسبة للصحة فإن وزارة الصحة سجلت في أكتوبر (1979) مرض 110.9 شخص من كل ألف نسمة بدل 115 عام (1977) و116 عام (1976) كما سجلت انخفاضا في عدد المواليد بصفة واضحة ومستمرة حيث نزل عدد المواليد إلى نسبة 14.3 مولودا في الألف عام 1979 مقابل 33 عام 1949 وهي ظاهرة تحسب لها السلطات اليابانية ألف حساب لأنه من المتوقع أن يصبح عدد الذين يتجاوزون 65 عام يشكل نسبة 18.8% من عدد السكان في اليابان بحلول عام (2020) وهي نسبة تعتبر مرتفعة عن نسب البلدان المصنعة ويرجع بعض المختصين انخفاض نسبة الخصوبة إلى عقلية الشباب وخاصة الفتيات اللاتي ذكرن لصحيفة يابانية أن إنجاب طفلين هو العدد الأمثل بالنسبة لحوالي 43.8% من المستوجبات بينما ترغب نسبة 39.5% منهن في إنجاب ثلاثة أطفال وهو العدد الذي اختارته النسبة الغالبية من الفتيات اليابانيات عام 1978.
فالسعادة الفردية لا وجود لها في اليابان إلا بكونها تابعة لسعادة المؤسسة الإنتاجية فالعائلة والحياة تلتقيان بالمؤسسة اليابانية حيث يقبلون صباحا على العمل فإذا تجمعوا أنشدوا بصوت واحد نشيد المؤسسة قبل أن يستحضروا معا (الأرواح السبعة) التي تعطيهم من بين ما تعطيهم الطاقة والحماس الضروريين لإنتاج كمية أكثر من إنتاج الأمس وأقل من إنتاج الغد، ففي اليابان تحلم الفتيات العاملات ببيت مرح، ليتحدثن فيه مع أزواجهن مساء ويتعلمن ترتيب الزهور فالمؤسسة بالنسبة لليابانيين هي بمثابة العائلة وأن رب العمل ورئيس المؤسسة هو كالوالد تماما، ولذا فهو يستحق الطاعة والامتثال وبالتالي فهم لا يعرفون الفردية او البحث عن السعادة الشخصية وأن أجمل قصة حب في اليابان ليست تلك التي تحدث بين شاب وفتاة بل تلك التي ضحى فيها 47 عاملا بأرواحهم من أجل رئيسهم. ذلك أن المواطن الياباني هو محارب قبل أن يكون أي شيء آخر حتى وإن أبدل السيف بالحسابات الإلكترونية، وإذا فشل رجال الأعمال الغربيون في كسب أسواقهم فلأنهم يجهلون طبيعة اليابان. واليابانيون على خلاف هؤلاء الذين يقومون ليس فقط بدراسة تاريخ الشعوب المراد التعامل معها فحسب بل التعرف على عاداتها وتقاليدها وسلوكها في الحياة وقد نجحوا على امتداد مناطق نفوذهم في العالم ويقول اليابانيون أنهم يعملون لصالح المؤسسة اليابانية وحدها التي بلغت في اعتقادهم درجة التقديس.
نعم: فهم يبذلون كل جهد لزيادة إنتاجها ليبقى لديهم القليل من الاستعداد للإقبال على الاستهلاك حيث أنهم يسعون لإشباع استهلاك الآخرين ولا يكاد اليابانيون يتطلعون إلى أشياء أخرى بل أنهم يعيشون في مستوى الفقر أو ما يشبهه، لذا يقول عنهم أحد علماء النفس اليابانيين: اعتقد أننا متأثرون بالفلسفة اليابانية التي تقضي بأن لا نجد السعادة خارج العمل….
وكيف تصبح يا ترى هذه السعادة الإنتاجية عند وصول زحف جيوش الأزمات الاقتصادية الأوروبية إليها وبما فيها من بطالات وإضرابات عمال المصانع وغير ذلك…..فالمؤسسة مقدسة عندهم إلى حد يكون رئيس مصلحة في المؤسسة وسيطا في الزواج لأن الزواج يكثر بين عمال المؤسسة الواحدة والغريب أن الزواج الذي يتم عن حب يعقبه طلاق بعد فترة لأن الحرية أمر صعب فالمرأة ما هي في واقع أمرهم إلا صامتة ومطيعة، كما يكثر الانتحار بين الأطفال الصغار لأنهم وهم صغار يسعون جاهدين للحصول على مكانتهم الاجتماعية ومن لا يستطيع الصمود ينتحر.