رد حول العامية في الخطاب الديني
بسم الله الرحمن الرحيم |
رد الشيخ الطاهر بدوي على الرسالة : |
سيدي الفاضل :
لقد طلبتم مني ، وأنتم مأجورون ، أن ابدي لكم من خلال رسالتكم ، رأيي قصد إعانتكم لانجاز بحثكم حول "العامية في الخطاب الديني".
سيدي ، فإني لا أخفي عنكم أني أجهل الدوافع التي جعلتكم تهتمون بالعامية إلى حد بعيد ، ثم عن أي عامية تتحدثون ؟ فإني أرى منها الآلاف المؤلفة هنا وهناك. وعليه فإني أرى أنه من الأفضل لكم والأنفع للجميع أن تبذلوا جهودكم في البحث حول ترقية اللغة العربية من خلال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة فيكون ذلك ضربة قاضية وقاسمة لظهر العولمة الفتاكة التي تسعى كما تعلمون جاهدة بكل ما تملك من وسائل مادية وبشرية إلى جعل أمتنا المجيدة قزما وكَلاً على مولاه أينما يوجهه سيده لا يأتيه بخير أو إلى صنم يرى ولا يبصر ويسمع ولا يعقل يعني أمةً تفقد أصالتها وتجهل تاريخ أمجادها بدأً بلغتها التي أختارها الله تعالى لوحيه المقدس فأنزل بها القرآن الكريم على قلب سيد البشر سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .وهذا هو الذي يرضي عملاء الصهيونية العالمية يعني أن تصير أمتنا ألعوبة بين أيديهم لا حول لها ولا قوة بلا لغة ولا تاريخ يعني بلا شخصية يعني بلا حياة لأنهم يرون في الاسلام الحنيف الخطر المخيف الذي يهدد سلامة البشرية برمتها و يتجاهلون سماحة الاسلام في ديارهم عبر العصور الغابرة.. ولكن هيهات !! فالرب القهار سبحانه دوما لأعدائه بالمرصاد قال تعالى في سورة المائدة حكايةً عن مكر اليهود ((كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)).
إن اللغة العربية هي الجديرة أن تتطور وتغزوا كل حقول العلم و أنواع الاختصاصات لأنها هي رمز الوحدة للأمة ورمز عقيدتها بربها ورمز وجودها. فإذا حلت العامية بشتى أشكالها مكان اللغة العربية فلن تستطيع الامة المحمدية أن تبلغ إلى الناس كافة رسالة ربها لأنها أمة اختارها الله تعالى أن تكون وسطاً تشهد على كل الناس ... وماذا يبقى للأمة المحمدية إذا فقدت لغتها ؟
فعلى أمتنا المجيدة كأمة الإجابة أن تنشر الحب والعدل والسلام عبر المعمورة بين كل الناس وتنهض من سباتها العميق نهضة فارس مغوار لا يخاف في الله لومة لائم بالرجوع العملي إلى القرآن الكريم وإلى سنة سيدنا محمد رسول رب العالمين وتبلغ تعاليم دينها الحنيف إلى البرية كافة بدءا بأبنائها تبليغا أخلاقيا وعلميا وسلوكيا وتلقن للأجيال الصاعدة ما تعلمته من تجارب أجدادها المغاوير الذين كانوا يدعون الناس بالمعاملة الصادقة والنصيحة النافذة واستطاعوا بتوفيق الله تعالى أن يهدوا جل الشعوب الأسيوية والأفريقية الى الطريق المستقيم بلا سيف ولا إكراه ولا عصبية .
ثم إن الشعوب الغربية خاصة لا تنجذب إلى النور المبين إلا إذا تسلحت هيأتنا الدعوية بمعرفة أسرار هذا الدين الحنيف وإقامة الدلائل العلمية عليها من الكتاب والسنة وبفقه شخصيات ولغات هذه الشعوب وإنزال هذه المعرفة في الواقع المعاش . فالدعوة إذن في هذه الديار لا تُؤتي أكلها إلا عن طريق العلم لأنه كما تعلمون سلاح عصرنا بلا منازع أو قل وثن مقدس يعبد من دون الله .
وبالبراهين العلمية التي لا تتناقض والحقائق القرآنية الثابتة أو النبوية يدخل الناس في دين الله أفواجا عن علم وقناعة وحب ويقين كما دخل أسلافهم عبر العصور الذهبية الغابرة ويومئذ يعرفون علم اليقين ويشاهدون عين اليقين صدق قوله تعالى في أواخر سورة فصلت (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )) كما شاهدوه من كان قبلهم.
إن أمتنا الأن بصفتها أمة الإجابة وبالرغم من حالها التي لا تحسد عليها فهي مسؤولة أمام باريها سبحانه وتعالى وأمام نبيها الذي يشهد لها أو عليها يوم القيامة ، على تقصيرها الطويل والعميق وعلى إهمالها للأمانة التي أنيطت بها واشتغالها بالاستهلاك بدلا من أن تنتج سلاحها لتصون ثغورها ومقدساتها التي هي الآن بأيدي أعدائها ، وغذائها بنفسها حتى تأمن عيشها.. ولن تبرأ ذميتها حتى تبذل النفس والنفيس في تبليغ باقي سكان المعمورة أنوار الهداية وأسرار الحكمة النبوية فتخرجهم بها بإذن الله تعالى من ظلمات الإلحاد والوثنية والإباحية والعنصرية والفرعونية إلى حيث الحياة الطيبة في العاجلة والحُسنى والزيادة في الآخرة تحت راية سيد الأولين و الآخرين صلى الله عليه وسلم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم مع العلم أن عليها هداية الدلالة فقط لا هداية المعونة التي هي من اختصاص المولى جل في علاه.
وختاما أرجو منكم سيدي الفاضل أن تعدلوا عن مشروع العامية هذا وتتجهوا بكليتكم, والله يوفقكم وإيانا آمين ، إلى ترقية اللغة العربية والغوص في أسرارها وأغوارها من خلال الإعجاز العلمي كما سبق وأنصح لكم على وجه الخصوص في هذا الميدان بالاتصال مع أهل الذكر أهل الاختصاص وأعني بذلك على الخصوص الشيخين الجليلين الأستاذ زغلول النجار والأستاذ عبد المجيد الزنداني الغنيان عن التعريف ليحيطا قريحتكم بالمزيد وأجر الجميع على الله الفعال لما يريد.
وليثق أعداء هذه الأمة قبل أحبابها وأبنائها أن هناك بشائر النصر تلوح على الأفق نظرا لجهود أهل هذه الأمانة النبيلة وإن كانت قليلة وفردية والتي تأتي بثمارها كل حين بأذن ربها ويدخل الناس بالآلاف من خلالها أفواجا وجماعات إلى الإسلام الحنيف ونظرا إلى اهتمام أمتنا بعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية والتي يسارعون إليها رجالاً ونساءً شيوخاً وشبانا من كل البلدان الإسلامية وغير البلدان الإسلامية والقرآن الكريم يبشر في هذا (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ... و( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبشرنا بدوره ويقول :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على وجه الارض لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله" ... أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والســـلام عليــــكم ورحـــمة الـــلـــه وبـــركـــــاتــه .
أخـــوكـــم الشيخ الطاهر بدوي |