دراسات
الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الرابع والأخير)
ويبقى من قبل ومن بعد العالم بالنيات وأسرار الضمائر والمجازي عليها الله تعالى جل في علاه. ولا ينبغي لنا بأي حال من الأحوال أن نخوض في بواطن العباد وقد نهانا عن ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ".... فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة الذي قتل نفسه وكان يجاهد (في ظاهر الأمر في سبيل الله وأعجب به الصحابة): "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة. "
إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين وأحيانا كتابا وشعراء وفنانين وصحفيين، يحملون أسماء المسلمين لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة وبعضهم من "علماء" المسلمين. هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة، وتوهين قواعدها من الأساس. والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء، وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق. والدق المتصل على " رجعيتها " والدعوة للتلفت منها وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها، وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها، وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية، وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص.. وهم بعد مسلمون وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم، لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم. وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض: تظاهروا بالإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم. وليكن هذا سرا بينكم لا تبدونه ولا تأتمنون عليه إلا أهل دينكم.. قال تعالى: ﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ﴾(آل عمران / 72-73).
وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك، إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر ألا وهو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود. وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض، ثم يتظاهرون، بعضهم على الأقل بغير ما يريدون وما يبيتون.. والجو من حولهم مهيأ والأجهزة من حولهم معبأة، والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيبون أو مشردون !!
إن الحروب النفسية التي يشنها اليهود ضد المسلمين ليحصلوا منهم على الإقرار بهم والاعتراف بدولتهم والتنازل عن الأرض والشعب والحق وهم بذلك يريدون أن يقضوا على كل معاني الصعود والثبات عند الأمة وأن يحطموا نفسيتها ومقوماتها وأن يوصلوا الهزيمة إلى نفوسها وعقولها وقلوبها. إنهم يعلمون أن الأمة لن تستسلم لهم إلا إذا حطمت إرادة القتال في بنيها، وذلك بالقضاء على الإيمان وحياته في القلوب وزرع اليأس في النفوس وتحويلها من نفوس أبية تعشق الجهاد وترغب في الاستشهاد وتشتاق لمواجهة الأعداء وحربهم، إلى نفوس ذليلة خاضعة مستكينة ترى أنه لا أمل من الجهاد ولا فائدة من الحرب والإعداد، وتجعل فيها مسالمة اليهود والتعايش معهم وتسليمهم البلاد مكان بغض هؤلاء اليهود وقتالهم وتحرير البلاد منهم.
إن اليهود يريدون أن يقنعوا الأمة بأن قوة اليهود وانتصارهم ستبقى إلى الأبد وأن ضعف المسلمين وهزيمتهم أمام اليهود كذلك لا يمكن أن يتغير وأن كل كلام غير هذا الكلام إنما هو نوع من الخيال والضلال. ويستخدم اليهود مختلف الوسائل والأساليب لغرس هذه الادعاءات والأغاليط في قلوب وعقول أبناء الأمة حتى تكون عندهم حقائق بديهية لا تقبل النقض أو الرد. ويساهم كثيرون في توصيل هذه الوسائل إلى أفراد الأمة ويخدم كثيرون في العالم هذا الهدف اليهودي الخطير.. والعجيب أن هذه الخطة تنفذ بدقة عجيبة، تكون الأحداث في الأمة موجهة مفتعلة مقصودة لإقرار هذه الخطة والنتيجة، يورطون الأمة في مشكلات ونكبات وأزمات سياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية وحضارية، وتتورط هذه الأمة في هذه الأمور في مواجهتها مع اليهود، وتخرج من كل ذلك بالفشل والهزيمة والضلال ويضيفون هذا إلى رصيدها من اليأس والإحباط والفشل.
وقد نجح اليهود في هذه الحروب النفسية واقتنع الأغرار من المسلمين المخدوعون بأن الحل إنما هو في الاعتراف باليهود وإقرارهم على احتلالهم فلسطين والتعايش معهم، وتحول هؤلاء من دعاة جهاد وحشد وقتال إلى دعاة الاستسلام والرضا بالهوان... ولكن بقي والحمد لله في الأمة المسلمة قلبها النابض وبصيرتها النافذة إنهم الإسلاميون فيها، إنهم جنود الله وأصحاب القرآن الذين ينظرون إلى الواقع اليهودي بمنظار القرآن فهم أمل هذه الأمة والله على نصرهم لقدير...