دراسات
الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الرابع والأخير)
نية أهل الكتاب الحقيقية تجاه المسلمين
إن الإحنة التي يكنها أهل الكتاب للجماعة المسلمة هي الإحنة المتعلقة بالعقيدة. إنهم يكرهون لهذه الأمة أن تهتدي، يكرهون لها أن تفيء إلى أمر الله، إلى عقيدتها خاصة في قوة وثقة ويقين، ومن ثم يرصدون جهودهم كلها لإضلالها عن هذا المنهج والإلواء بها عن هذا الطريق. قال تعالى: ﴿ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم ومـا يشعرون﴾(آل عمران/69). فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة التي تهفوا إليها الأهواء من وراء كل كيد. وهذه الرغبة القائمة على الهوى والحقد والشر، ضلال لا شك فيه، فما تنبعث مثل هذه الرغبة الشريرة الآثمة عن خير ولا عن هدى، فهم يوقعون أنفسهم في الضلالة في اللحظة التي يودون فيها إضلال المسلمين. والمسلمون والحمد لله مكفيون أمر أعدائهم هؤلاء ما استقاموا على إسلامهم ومالهم عليهم من سبيل. والله سبحانه يتعهد لهم ألا يصيبهم كيد الكائدين وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي المسلمين مسلمين.
وانظر كيف يخاطبهم القرآن الكريم ويكشف لنا حقيقة موقفهم المريب المعيب: ﴿يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون﴾(آل عمران/70).
ولقد كان أهل الكتاب وقتها وما يزالون حتى اليوم يشهدون الحق واضحا في هذا الدين، سواء منهم المطلعون على حقيقة ما جاء في كتبهم عنه من بشارات وإشارات وكان بعضهم يصرح بما يجد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يجده في كتبه ويشهده متحققا أمامه، وسواء كذلك غير المطلعين، ولكنهم يجدون في الإسلام من الحق الواضح ما يدعوا إلى الإيمان، غير أنهم يكفرون لا لنقص في الدليل ولكن للهوى والمصلحة والتضليل. والقرآن يناديهم ﴿ يا أهل الكتاب ﴾ لأنها الصفة التي كان من شأنها أن تقودهم إلى آيات الله والكتاب الجديد.
كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الحق بالباطل لإخفائه وكتمانه وتضييعه في غمار الباطل، على علم وعن عـمـد وفي قـصد وهـو أمـر مستنكر قبـيح!! وهذا الذي ندد الله به سبحانه من أعمال أهل الكتاب حين ذاك، هو الأمر الذي درجوا عليه من وقتها حتى اللحظة الحاضرة.. فهذا طريقهم على مدار التاريخ.. اليهود بدؤوا منذ اللحظة الأولى ثم تابعهم الصليبيون! وفي خلال القرون المتطاولة دسوا مع الأسف في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله اللهم إلا هذا الكتاب المبين المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين قال جل علاه: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (الحجرات/9) والحمد لله على فضله العظيم.
دسوا ولبسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله ودسوا ولبسوا في الحديث النبوي الشريف حتى قيض الله له رجاله الذين حققوه وحرروه إلا ما ند عن الجهد الإنساني المحدود. ودسوا ولبسوا في التفسير القرآني حتى تركوه تيها لا يكاد الباحث يفيء فيه إلى معالم الطريق. ودسّوا ولبّسوا في الرجال أيضا... وما قضية الخليج عنا ببعيدة لقد أذاعوا بين المسلمين إشاعات وأساطير تجعل الضعفاء منا يرجعون عن عقيدتهم الصحيحة ويرتابون في الرسالة المحمدية الكريمة. ومما جاء عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إلى رجل عظيم يحارب الكفر بين نهرين الدجلة والفرات "يقال له صدام" ألا ترى أن هذا الافتراء على الرسول الكريم هو الذي أدى ببعض المسلمين أن يجزموا قطعيا أن رئيس العراق هذا هو المهدي المنتظر الذي يفتح بيت المقدس الشريف.. وصدام بنفسه من هذا بريء براءة الذئب من دم يوسف.. وكأن المهدي مؤيد بصواريخ "سكود أو العباس والحسين".. فهذا دليل على تيه المسلمين وجفافهم في العقيدة وقحطهم في الأخلاق لأنه لو كان لديهم أدنى إلمام بالسنة المطهرة لأدركوا أن المهدي من علامات الساعة الكبرى كنزول المسيح عيسى وخروج الدابة وغيرهما ، وأنه لا يعلم كنهها إلا الله تعالى ولتوقفوا عن كل تأويل... نعم لقد كان "صدام" آية من آيات الله، نهضت بمشيئة الله تعالى وربما من حيث لا يدري هو نفسه لدحض أباطيل الصهيونية وأوهامها في العقول المسلمة وتردها إلى وعيها وتبرهن لأعداء الأمة الإسلامية أنها وإن نامت طويلا فليست بميتة كما يزعمون وأنه قد حان إن شاء الله وقت استيقاظها من سباتها العميق. فالمئات والألوف كانوا دسيسة على التراث الإسلامي، وما يزالون في صورة المستشرقين وتلاميذ المستشرقين الذين يشغلون مناصب القيادة الفكرية في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهيونية والصليبية ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين.
وإن زعم البعض أنه كان عاصيا، فمن فينا المعصوم؟؟؟ وكفاه شرفا أنه فارق الحياة على الإيمان بالله ورسوله والنطق بالشهادتين تصديقا لعقيدته الصحيحة وحول رقبته حبل المشنقة.