دراسات

الأمة الإسلامية تحديات وآفاق (الجزء الرابع والأخير)


                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين

لماذا تدرج الإسلام في إلغاء الرق ؟؟؟

     أقر الإسلام لكل إنسان - بوصفه إنسانا - حق الحرية و حرم استرقاق الحر دون سبب مشروع غالبا ما يكون بعد الأسر في الحروب، وذهب مثلا بين الناس قول سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: " متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". وقد شدد سيدنا عمر في هذا الصدد حين يكون المسترق عربيا فقال: " ليس على عربي ملك". وكان الشرع الإسلامي أكبر تشددا في إرقاق المسلم إذ منع أن يسترق مؤمن أصلا.

     ولم يجد الإسلام من الحكمة مع ذلك أن يفاجئ الناس بتحريم الرق تحريما باتا، بل قاومه مقاومة منظمة فعالة كانت بخطاها المتدرجة أفعل في تهيئة الضمير البشري للقضاء عليه. ولقد أوشك الإسلام بتضييقه مصادر الرق أن يلزم المسلمين بالعتق، لأنه كان يتوقع انتهاء الرقيق في العالم إلى الحرية الكاملة بعد أجل مسمى مصداقا لقول النبي العربي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ذكره الشيخ محمد بن يوسف أطفيش في كتابه "شرح النيل وشفاء العليل": "أوصاني حبيبي جبريل بالرفــــــــق بالرقيق حتى ظننت أنه سيضرب له أجلا يخرج فيه حرا". وفي رواية "حتى ظننت أن الناس لا تستعبد ولا تستخدم".

     ولو أن الإسلام حاول إلغاء الرقيق دفعة واحدة لخالف نواميس الحياة الاجتماعية المتدرجة في مراحل التطور، ولعرّض الأوضاع الاقتصادية في بيئته التي ظهر فيها وفي بيئات كثيرة في العالم لأزمات واضطرابات، أهمها انتشار الفقر المقرون بالجرائم من قبل العبيد في التحرير: إذ جاء الإسلام فوجد الرق نظاما عالميا أساسيا مشروعا عند أمم العالم القديم جميعا، فهو عماد الحركة التجارية، وعليه المعول في تحسين الحياة الزراعية. وما من فيلسوف روماني ولا مفكر يوناني ولا قائد فارسي ولا حبر يهودي ولا زعيم عربي إلا أقر الرق وعمل به، حتى المسيحية، رغم ما قيل عنها أنها قضت على الرق قضاءً تاما بعد ما أصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، ورغم مثاليتها البالية في تكريم الإنسان أعلى الذرى، لم تمنع هذا الرق ولم تضع نظما صريحة لتخفيفه أو تقليله أو نسخه فما فعل الإسلام، إلا ما كان شاذا لا يقاس عليه.. وبذلك أصبحت الديانة عامة والمسيحية على الخصوص عند أنصار النزعة المادية والإلحادية "عفيونا يؤخر الشعوب" وأنجبت هذه النزعة مسلمين يحاربون دينهم عن جهل وضلالة قبل أن يفهموا ويتذوقوا مبادئه السمحة وأهدافه العادلة، لأنهم لو درسوا دينهم دراسة موضوعية لأصبحوا من السابقين إلى نصرته ومحاربـــــــــة أعدائه...

     ويبدو أن الاسترقاق بسبب الخطيئة عند رهـبان المسيحية امتداد لأحد النوعين الأساسيين من الرق عند اليهود، فقد عرف هؤلاء الرق الناجم عن ارتكاب الخطيئات المحظورة، وكان اليهودي يسترق به يهوديا مثله عسى أن يذل هذا الرق نفسه ويكره إليه المخالفة والعصيان والخطيئة، وعرف اليهود أيضا نوعا آخر من الرق بسبب الحرب فكانوا به يستعبدون أسراهم و يبيعونهم بيع السلع ويسخرونهم لخدمتهم سواء أكانوا من عبيد المزارع والحقول أم من عبيد المنازل والبيوت. ولقد نطقت التوراة بذلك نطقا واضحا صريحا: " وإذا تقدمت إلى مدينة لتقاتلها فادعها أولا إلى الصلح فإذا أجابت إلى الصلح و فتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك". (العهد القديم، سفر التثنية الاصحاح العشرون الآية 10).




facebook twitter youtube LinkedIn cheikh badaoui el djazairi mail
.
.

٢١ / ديسمبر / ٢٠٢٤
ALG
GMT + 1

arrow_drop_up